فصل: وفاة ابن قراتكين ورجوع أبي علي بن محتاج إلي ولاية خراسان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  وفاة ابن قراتكين ورجوع أبي علي بن محتاج إلي ولاية خراسان

ثم توفي منصور بن قراتكين صاحب خراسان بالري بعد عوده من أصفهان في ربيع سنة أربعين وحملت جنازته إلى أسفيجاب فدفن بها عند والده فولي الأمير نوح على خراسان أبا علي بن محتاج وأعاده إلى نيسابور‏.‏وقد كان منصور يستقيل من ولاية خراسان لما يلقي بها من جندها ويستعفي نوحاً المرة بعد المرة‏.‏وكان نوح يعد أبا علي بعوده إلى ولايته‏.‏فلما توفي منصور بعث إليه بالخلع واللواء وأمره بالمسير وأقطعه الري وأمره بالمسير إليها فسار عن الصغانيان في رمضان سنة أربعين واستخلف مكانه ابنه أبا منصور وانتهى إلى مرو فأقام إلى أن أصلح أمر خوارزم وكانت شاغرة‏.‏ثم سار إلى نيسابور فأقام بها‏.‏ولما كانت سنة إثنتين وأربعين كتب وشمكير إلى الأمير نوح أن يأمر أبا علي بن محتاج بالمسير معه في عساكر خراسان فساروا في ربيع من السنة وخام ركن الدولة عن إلقائهم فامتنع بطزل وأقام عليه أبو علي عدة شهور يقاتله حتى سئم العسكر وعجفت دوابهم فمال إلى الصلح وسعي بينهما فيه محمد بن عبد الرزاق المقدم ذكره فتصالحا على مائتي ألف دينار ضريبة يعطيها ركن الدولة في كل سنة ورجع أبو علي إلى خراسان في وكتب وشمكير إلى الأمير نوح بأن أبا علي لم ينصح في الحرب وأن بينه وبين ركن الدولة مداخلة‏.‏وسار ركن الدولة بعد انصراف أبي علي نحو وشمكير فانهزم إلى أسفرايين واستولى ركن الدولة على طبرستان‏.‏

  عزل الأمير أبي علي عن خراسان ومسيره إلى ركن الدولة

وولاية بكر بن مالك مكانه ولما تمكنت سعاية وشمكير من أبي علي عند الأمير نوح كتب إليه بالعزل عن خراسان سنة إثنتين وأربعين وكتب إلى القواد بمثل ذلك‏.‏واستعمل على الجيوش مكانه أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني وبعث أبو علي يعتذر فلم يقبل‏.‏وأرسل جماعة من أعيان نيسابور يسألون إبقاءه فلم يجيبوا فانتقض أبو علي وخطب لنفسه بنيسابور‏.‏وكتب نوح إلى وشمكير والحسن بن الفيرزان بأن يتفقا ويتعاضدا على أولياء ركن الدولة حيث كانوا ففعلا ذلك فارتاب أبو علي بأمره ولم يمكنه العود إلى الصغانيان ولا المقام بخراسان فصرف وجهه إلى ركن الدولة واستأذنه في المسير إليه فأذن‏.‏وسار أبو علي إلى الري سنة ثلاث وأربعين فأكرمه ركن الدولة وأنزله معه واستولى بكر على خرا سان‏.‏

  وفاة الأمير نوح وولاية ابنه عبد الملك

ثم توفي الأمير نوح بن نصر ولقبه الحميد في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة لإثنتي عشرة سنة من ولايته وولي بعده ابنه عبد الملك‏.‏وقام بأمره بكر بن مالك الفرغاني فلما قرر أمر دولته وثبت ملكه أمر بكراً بالمسير إلى خراسان فكان من شأنه مع أبي علي ما قدمناه‏.‏مسير العساكر من خراسان إلى الري وأصفهان ثم زحفت عساكر خراسان إلى الري سنة أربع وأربعين وبها ركن الدولة بن بويه قدم إليها من جرجان واستمد أخاه‏.‏معز الدولة ببغداد فأمده بالحاجب سبكتكين‏.‏وبعث بكر عسكراً آخر من خراسان مع محمد بن ماكان على طريق المفازة إلى أصفهان‏.‏وكان بأصفهان أبو منصور علي بن بويه بن ركن الدولة فخرج عنها بحرم أبيه وخزائنه وانتهى إلى خالنجان‏.‏ودخل محمد بن ماكان أصفهان وخرج في أتباع بن بويه وأدرك الخزائن فأخذها وسار فأدركه‏.‏ووافق وصول أبي الفضل بن العميد وزير ركن الدولة في تلك الساعة فقاتله ابن‏.‏ماكان وهزم أصحابه وثبت ابن العميد وشغل عسكر ابن ماكان بالنهب فاجتمع على ابن العميد لمة من العسكر فاستمات وحمل على عسكر ابن ماكان فهزمهم وأسر ابن ماكان‏.‏وسار ابن العميد إلى أصفهان فملكها وأعاد حرم ركن الدولة به إلى حيث كانوا من أصفهان‏.‏ثم بعث ركن الدولة إلى بكر بن مالك صاحب الجيوش بخراسان وقرر معه الصلح على مال يحمله ركن الدولة إليه على الري ويلد الجبل قتقرر ذلك بينهما وبعث إليه من عند أخيه ببغداد بالخلع وفاة عبد الملك بن نوح صاحب ما وراء النهر وولاية أخيه منصور ثم توفي الأمير عبد الملك لإحدى عشرة خلت من شوال سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة لسبع سنين من ولايته‏.‏وولي بعده أخوه أبو الحارث منصور بن نوح واستولي ركن الدولة لأول أيامه على طبرستان وجرجان فملكهما وسار وشمكير عنها فدخل بلاد الجبل‏.‏مسير العساكر من خراسان إلى الري ووفاة وشمكير قد ذكرنا من قبل أن وشمكير كان يقدح في عمال بني سامان بأنهم لا ينصحون لهم ويداخلون عدوهم من الديلم‏.‏ووفد أبو علي بن إلياس صاحب كرمان على الأمير الحارث منصور مستجيشاً به على بني بويه فحرضه على قصد الري وحذره من الإستمالة في ذلك إلى عماله كما أخبره وشمكير وبعث إلى الحسن بن الفيرزان بالنفير عساكره‏.‏ثم أمر صاحب جيوش خراسان أبا الحسن بن محمد بن سيجور الدواني بالمسير إلى الري وأوصاه بالرجوع إلى رأي وشمكير وبلغ الخبر إلى ركن الدولة فاضرب وبعث بأهله وولده إلى أصفهان‏.‏واستمد ابنه عضد الدولة بفارس وبختيار ابن عز الدولة ببغداد فبادر عضد الدولة إلى إمداده وبعث العساكر على طريق خراسان يريد قضدها لخلوها من العسكر فأجحفت عساكر خراسان وانتهوا إلى الدامغان فأقاموا وبرز ركن الدولة نحوهم في عساكره من الري‏.‏وبينما هم في ذلك ركب وشمكير يوماً ليتصيد فاعترضه خنزير فأجفل فرسه وسقط إلى الأرض وانهشم ومات في المحرم سنة سبع وخمسين وانتقض ما كانوا فيه‏.‏وقام يسنون بن وشمكير مقام أبيه وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده ركن الدولة بالمال والرجال‏.‏

  خبر أبي إلياس بكرمان

كان أبو علي بن إلياس قد ملك كرمان بدعوة بني سامان واستبد بها وأصابه فالج وأزمن به‏.‏وكان له ثلاثة من الولد اليسع وإلياس وسليمان‏:‏ فعهد إلى اليسع وبعده إلياس وأمر سليمان بالعود إلى أرضهم ببلاد الصغد يقيم بها فيما لهم هنالك من الأموال لعداوة كانت بين سليمان واليسع فخرج سليمان لذلك واستولى على السيرجان فأنفذ إليه أبوه أبو علي ابنه الآخر في عسكر وأمره بإجلائه عن البلاد ولا يمكنه من قصد الصغد إن طلبها فسار وحاصره‏.‏ولما ضاق الحصار على سليمان جمع أمواله ولحق بخراسان‏.‏وملك اليسع السيرجان وسار إلى خراسان‏.‏ثم لحق أبو علي ببخارى ومعه ابنه سليمان فأكرمه الأمير أبو الحارث وقربه‏.‏وأغزاه أبو علي بالري وتجهيز العساكر إليه كما ذكرناه‏.‏وأقام عنده إلى أن توفي سنة ست وخمسين كما نذكر في أخباره‏.‏ولحق اليسع ببخارى فأقام بها‏.‏ثم سعى سليمان عند الأمير أبي الحارث منصور في المسير إلى كرمان وأطمعه في ملكها وأن أهلها في طاعته فبعث معه عسكراً‏.‏ولما وصل أطاعه أهل نواحيها من القمص والبولص وجميع المنتقضين على عضد الدولة واستفحل أمره فسار إليه كورتكين عامل عضد الدولة بكرمان وحاربه ونزعت عساكره عنه فانهزم وقتل معه ابنا أخيه اليسع وهما بكر والحسين وكثير من القواد وصارت كرمان للديلم‏.‏انعقاد الصلح بين منصور بن نوح وبين بني بويه ثم انعقد الصلح بين الأمير أبي الحارث منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر وبين ركن الدولة وزوجه ابنته وحمل إليه من الهدايا والتحف ما لم يحمل مثله‏.‏وكتب بينهم كتاب الصلح شهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق‏.‏وتم ذلك على يد أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور صاحب الجيوش بخراسان من جهة الأمير أبي الحارث في سنة إحدى وستين‏.‏

  وفاة منصور بن نوح وولاية ابنه نوح

ثم توفي الأمير أبو الحارث منصور ببخارى منتصف سنة ست وستين وثلاثمائة وولي بعده ابنه أبو القاسم نوح صبيا لم يبلغ الحلم فاستوزر أبا الحسن العتبي وجعل على حجابة بابه مولاه أبا العباس قاسما وكان من موالي أبي الحسن العتبي فأهداه إلى الأمير أبي صالح وشركهما في أمر الدولة أبو الحسن فائق وأقر على خراسان أبا الحسن حمد بن إبراهيم بن عزل ابن سيجهر عن خراسان وولاية أبي العباس تاش قد تقدم لنا شأن خلف بن أحمد الليثي صاحب سجستان وانتصاره بالأمير منصور بن فرج على قريبه طاهر بن خلف بن أحمد بن الحسين المنتقض عليه لسنة أربع وخمسين وأنه مده بالعسكر ورده إلى ملكه‏.‏ثم انتقض طاهر ثانيًا بعد انصراف العسكر عن خلف وبعث مستجيشًا فأمده ثانيًا‏.‏وقد هلك طاهر وولى ابنه الحسين فحاصره خلف وأرهقه الحصار فنزل لخلف عن سجستان ولحق بالسعيد نوح بن منصور‏.‏وأقام خلف دعوة نوح في سجستان وحمل المال متقرراً عليه كل سنة‏.‏ثم قصر في الطاعة والخدمة وصار يتلقى الأوامر بالإعراض والإهمال فرمى بالحسين بن طاهر في جيوش خراسان وحاصره بقلعة أرك وطال انحصاره‏.‏وأمده العتبي الوزير بجماعة القواد كالحسن بن مالك وبكتاش فأقاموا عليه سبع سنين حتى فنيت الرجال والأموال‏.‏وكان ابن سيجور بخراسان وكانت أيامه قد طالت بها فلا يطيع السلطان إلا فيما يراه‏.‏وكان خلف بن أحمد صاحبه فلم يغن عليه وعوتب في ذلك وعزل عن خراسان بأبي العباس تاش فكتب يعتذر ورحل إلى قهستان ينتظر جواب كتابه فجاءه كتاب الأمير نوح بالمسير إلى سجستان فسار واستنزل خلفا من معقله للحسين بن طاهر‏.‏وسار خلف إلى حصن الطاق وداخله ابن سيجور وأقام خطبة لرضا نوح به وانصرف‏.‏ولما ولي الأمير نوح الحاجب أبا العباس تاش قيادة خراسان سار إليها سنة إحدى وسبعين فلقي هنالك فخر الدولة ابن ركن الدولة وشمس المعالي قابوس بن وشمكير ناجين من جرجان‏.‏وكان من خبرهما أن عضد الدولة لما استولى على بلاد أخيه فخر الدولة وهزمه ولحق فخر الدولة بقابوس وبعث عضد الدولة في طلبه ترغيبا وترهيبا فأجاره قابوس وبعث عضد الدولة في طلبه أخاه مؤيد الدولة في العساكر إليهم ولقيهم قابوس فهزموه فسار إلى بعض قلاعه واحتمل منها ذخائره ولحق بنيسابور‏.‏ولحق به فخر الدولة ناجيًا من المعركة فأكرمهم أبو العباس تاش وأنزلهم خير منزل وأقاموا عنده واستولى مؤيد الدولة على جرجان وطبرستان‏.‏مسير أبي العباس في عساكر خراسان إلى جرجان ثم مسيره إلي بخارى ولما وصل قابوس بن وشمكير وفخر الدولة بن ركن الدولة إلى أبي العباس تاش مستجيرين بالأمير نوح على استرجاع جرجان وطبرستان من يد مؤيد الدولة كتب بذلك إلى الأمير نوح ببخارى فأمره بالمسير معهما وإعادتهما إلى ملكهما فسار معهما لذلك في العساكر ونازلوا جرجان شهرين حتى ضاق عليهم الحصار‏.‏وداخل مؤيد الدولة فائقاً من قواد خراسان ورغبه فوعده بالانهزام‏.‏ثم خرج مؤيد الدولة من جرجان في عساكره مستميتاً فهزمهم ورجعوا إلى نيسابور وكتبوا إلى بخارى بالخبر فأجابهم الأمير نوح بالوعد واستنفر العساكر من جميع الجهات إلى نيسابور للمسير مع قابوس وفخر الدولة فاجتمعوا هنالك‏.‏ثم جاء الخبر بقتل الوزير أبي الحسن العتبي وكان زمام الدولة بيده فيقال‏:‏ إن أبا الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور وضع عليه من قتله وذلك سنة اثنتين وسبعين‏.‏ولما قتل كتب الأمير نوح بن منصور إلى الحاجب أبي العباس تاش يستدعيه لتدبير دولته ببخارى فسار عن نيسابور إليها وقتل من ظفر به من قتلة أبي الحسن‏.‏رد أبي العباس إلى خراسان ثم عزله وولاية ابن سيجور ولما سار أبو العباس إلى بخارى وكان أبو الحسن بن سيجور من حين سار إلى سجستان كما مر مقيما بها‏.‏ثم رجع آخرًا إلى قهستان‏.‏فلما سار أبو العباس تاش إلى بخارى وكتب ابن سيجور إلى فائق يطلب مظاهرته على ملك خراسان أجابه إلى ذلك واجتمعا بنيسابور واستوليا على خراسان وسار إليهما أبو العباس تاش في العساكر‏.‏ثم تراسلوا كلهم واتفقوا على أن يكون بنيسابور وقيادة العساكر لأبي العباس تاش وبلخ لفائق وهراة لأبي الحسن بن سيجور وانصرف كل واحد إلى ولايته‏.‏وكان فخر الدولة بن بويه خلال ذلك معهما بنيسابور ينتظر النجمة إلى أن هلك أخوه مؤيد الدولة بجرجان في شعبان سنة ثلاث وسبعين‏.‏واستدعاه أهل دولته للملك فكاتبه الصاحب ابن عباد غيره فسار إليهم واستولى على ملك أخيه بجرجان وطبرستان‏.‏وكان الأمير نوح لما سار أبو العباس من بخارى إلى نيسابور استوزر مكانه عبد الله بن عزيز وكانت بينه وبين أبي الحسن العتبي منافسة وعداوة‏.‏ثم لما ولي الوزارة تقدم على عزل أبي العباس عن خراسان وكتب إلى أبي الحسن محمد بن إبراهيم بخراسان بولاية نيسابور‏.‏

  انتفاض أبي العباس وخروجه مع ابن سيجور ومهلكه

ولما عزل أبو العباس تاش عن خراسان كتب إلى الأمير نوح يستعطفه فلم يجبه فانتقض وكتب إلى فخر الدولة يستمده على ابن سيجور فأملى بالأموال والعسكر مع أبي بحمد عبد الله بن عبد الرزاق وسار إلى نيسابور في عساكره وعساكر الديلم وتحصن ابن سيجور بنيسابور‏.‏وجاءه ممد آخر من فخر الدولة وبرز ابن سيجور للقائهم فهزموه وغنموا منه‏.‏واستولى أبو العباس على نيسابور وكتب إلى الأمير نوح يستعطفه ولج ابن عزيز في عزله‏.‏ثم ثاب لابن سيجور رأيه وعادت إليه قوته وجاءه الأمراء من بخارى مددًا‏.‏وكاتب شرف الدولة أبا الفوارس ابن عضد الدولة بفارس يستمد فأملى بألفي رس مراغمة لعمه فخر الدولة‏.‏فلما كثف جمعه زحف إلى أبي العباس وقاتله فهزمه ولحق رأس بفخر الدولة بن بويه بجرجان فأكرمه وعظمه وترك له جرجان ودهستان وأستراباذ إقطاعاً‏.‏وسار عنها إلى الري وبعث إليه من الأموال والآلات ما يخرج عن الحد‏.‏وأقام أبو العباس بجرجان‏.‏ثم جمع العساكر وسار إلى خراسان فلم يقدر على الوصول إليها وعاد إلى جرجان وأقام بها ثلاث سنين ومات سنة سبع وسبعين‏.‏وقام أهل جرجان بأصحابه لما كانوا يحقدون عليهم من سوء السيرة فقاتلهم أصحابه واستباحوهم حتى استأمنوا وكفوا عنهم‏.‏ثم افترق أصحابه وسار أكثرهم وهم كبار الخواص والغلمان إلى خراسان وقد كان صاحبها أبو الحسن سيجور مات فجأة وقام بأمرها مكانه ابنه أبو علي وأطاعه إخوته وكبيرهم أبو القاسم ونازعه فائق الولاية فلحق به أصحاب أبي العباس واستكثربهم لشأنه‏.‏

  ولاية أبي علي بن سيجور علي خراسان

قد تقدم اتفاق أبي الحسن بن سيجور وأبي العباس تاش وفائق على أن تكون نيسابور وقيادة خراسان لتاش وبلخ لفائق وهراة لأبي علي بن أبي الحسن سيجور‏.‏ثم عزل تاش بسعاية الوزير ابن عزيز وولى أبو الحسن وكانت بينهما الحرب التي مر ذكرها‏.‏وانهزم تاش إلى جرجان فاستقر أبو علي بهراة وفائق ببلخ وكان ابن عزيز يستحث الحسن لقصد جرجان‏.‏ثم عزل ابن عزيز ونفي إلى خوارزم وقام مكانه أبو علي محمد بن عيسى الدامغاني‏.‏ثم عجز لما نزل بالدولة من قلة الخراج وكثرة المصاريف فصرف عن الوزارة بأبي نصر بن أحمد بن محمد بن أبي يزيد ثم عزل وأعيد أبو علي الدامغاني‏.‏وهلك أبو الحسن بن سيجور خلال ذلك وقام ابنه أبو علي مقامه‏.‏وكاتب الأمير نوح بن منصور يطلب أن يعقد له الولاية كما كانت لأبيه فأجيب إلى ذلك ظاهرا وكتب لفائق بولاية خراسان وبعث إليه بالخلع والألوية‏.‏وكان أبو علي يظن أنها له فلما بدا له من ذلك ما لم يحتسب جمع عسكره وأغذ السير وأوقع بفائق ما بين هراة وبوشنج فانهزم فائق إلى مرو الروذ وملك أبو علي مرو ووصله عهد الأمير نوح بقيادة الجيوش وولاية نيسابور وهراة وقهستان ولقبه عماد الدولة ثم رقاه الأمير نوح واستولى على سائر خراسان‏.‏واستبد بها على السلطان حتى طلبه نوح في بعض أعمالها لنفقته فمنعه وأقام مظهرا لطاعته وخشي غائلة السلطان من طلبة نوح فكاتب بقراخان ملك الترك ببلاد كاشغر وشاغور يغريه ويستحثه لملك بخارى وما وراء النهر على أن يستقر هو بخراسان‏.‏خبر فائق وأقام بعد انهزامه أمام أبي علي بمرو الروذ حتى اندملت جراحه واجتمع إليه أصحابه وسار إلى بخارى قبل أن يستأذن فارتاب به الأمير نوح فسرح إليه العساكر مع أخي الحاجب وبكثرزون فانهزم وعبر النهر إلى بلخ فأقام بها أياما‏.‏وسار إلى ترمذ وكاتب بقراخان يستحثه‏.‏وكتب الأمير نوح إلى والي الجوزجان أبي الحارث أحمد بن محمد الفيرقوني بقصد فائق فقصده في جموعه وسرح فائق إليه بعض عسكره فهزمه وعاد إلى بلخ‏.‏وكان طاهر بن الفضل قد ملك الصغانيان على أبي المظفر محمد بن أحمد وهو واحد خراسان فانقطع أبو المظفر إلى فائق صريخًا فأملى وسار إلى طاهر بعسكر فائق واقتتلوا فانهزم طاهر وقتل وصارت الصغانيان لفائق‏.‏

  استيلاء الترك على بخارى

و لما خرج الأمير نوح عن بخارى عبر النهر واستقر بآمل الشط وكاتب أبا علي بن سيجور للنصرة وكاتب فائقا أيضا يستصرخه فلم يصرخه أحد منهما‏.‏وبلغه مسير بقراحان عن بخارى فأغذ السير إليها وعاود الجلوس على كرسي ملكه وتباشر الناس بقدومه ثم بلغه مهلك بقراخان فتزايد سرورهم‏.‏ولما عاد الأمير نوح إلى بخارى ندم أبو علي على ما فرط فيه من نصرته وأجمع الاستظهار بفائق فأزاحوه عن ملكه وملكوها ولحق فائق بأبي علي بن سيجور وتظاهرا على الأمير نوح وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏عزل علي بن سيجور عن خراسان وولاية سبكتكين لما اجتمع أبو علي بن سيجور وفائق على منافرة الأمير نوح وعصيانه كتب الأمير عليهما وولاه خراسان‏.‏وكان سبكتكين في شغل عن أمرهم بما هو فيه من الجهاد مع كفار الهند‏.‏فلما جاءه كتاب نوح ورسوله بادر إليه وتلقى أمره في ذلك وعاد إلى غزنة فجمع العساكر‏.‏وبلغ الخبرأبا علي وفائقا فبعثا إلى فخر الدولة بن بويه يستنجدانه واستعانا في ذلك بوزيره الصاحب ابن عباد فبعث إليهما مدداً من العساكر‏.‏ثم سار سبكتكين وابنه محمود نحو خراسان سنة أربع وثمانين‏.‏وسار الأمير نوح واجتمعوا ولقوا أبا علي‏.‏وفائقا بنواحي هراة وكان معهما دارا بن قابوس بن وشمكير فنزع إلى الأمير نوح وانهزم أصحاب أبي علي وفائق وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور فلحقا بجرجان وتلقاهما فخر الدولة بالهدايا والتحف والأموال وأنزلهما بجرجان‏.‏واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين ولقبه‏.‏سيف الدولة ولقب أباه سبكتكين ناصر الدولة‏.‏وعاد نوح إلى بخارى وترك سبكتكين بهراة ومحمود بنيسابور‏.‏عود ابن سيجور إلى خراسان لما افترق نوح وسبكتكين طمع أبو علي وفائق في خراسان فسار عن جرجان إلى نيسابور في ربيع سنة خمس وثمانين وبرز محمود للقائهما بظاهر نيسابور وأعجلوه عن وصول المدد من أبيه سبكتكين‏.‏وكان في قلة وانهزم إلى أبيه وغنموا سواده‏.‏وأقام أبو علي بنيسابور‏.‏وكان الأمير نوح يستميله ويتلطف في العذر مما كان من سبكتكين فلم يجيباه إلى ما طلب‏.‏ظهورسبكتكين وابنه محمود على أبي علي وفائق ومقتل أبي علي ولما دخل أبو علي نيسابور وانهزم عنها محمود جمع سبكتكين العساكر وسار إليه فالتقوا بطوس‏.‏وجاء محمود على اثره مددًا فانهزم هو وفائق إلى أبيورد فاتبعهما سبكتكين بعد أن استخلف ابنه محمودأ بنيسابور ثم آمل الشط وكتبا إلى الأمير نوح يستعطفانه فشرط على أبي علي أن ينزل بالجرجانية ويفارق فائقا ففعل‏.‏ونزل قريبا من خوارزم بالجرجانية فأكرمه أبو عبد الله خوارزم شاه وسكن إليه وبعث من ليلته من جاء به واعتقله وأعيان أصحابه‏.‏وبلغ الخبر إلى مأمون بن محمد صاحب الجرجانية فاستعظم ذلك وسار بعساكره إلى خوارزم شاه وافتتح مدينته وتسمى كاش عنوة وخلص أبا علي من محبسه وعاد إلى الجرجانية‏.‏واستخلف بعض أصحابه على بلاد خوارزم‏.‏ولما عاد إلى الجرجانية أخرج خوارزم شاه وقتله بين يدي أبي علي بن سيجور وكتب إلى الأمير نوح يشفع في أبي علي فشفعه‏.‏واستدعى أبا علي إلى بخارى فسار إليها وأمر الأمراء والعساكر بتلقيه فلما دخل عليه أمر بحبسه‏.‏وشفع سبكتكين فيه فهرب ولحق بفخر الدولة وأقام عنده وأما فائق فلما فارقه أبو علي كما شرط عليه الأمير نوح سار إلى ايلك خان ملك الترك بكاشغر فأكرمه وكتب إلى نوح يشفع فيه فقبل شفاعته وولاه عليها وأقام بها‏.‏

  وفاة الأمير نوح وولاية ابنه منصور وولاية بكثرزون علي خراسان

ثم توفي الأمير نوح بن منصور منتصف سبع وثمانين لإحدى وعشرين سنة من ملكه وانتقض بموته ملك بني سامان وصار إلى الانحلال‏.‏ولما توفي قام بالملك بعمه ابنه أبو الحارث منصور وتابعه أهل الدولة واتفقوا على طاعته وقام بتدبير دولته بكثرزون‏.‏واستوزر أبا طاهر محمد بن إبراهيم‏.‏وبلغ خبر وفاة نوح إلى ايلك خان فطمع في ملكهما وسار إلى سمرقند وبعث من هنالك فائقا والخاصة إلى بخارى فاضطرب منصور وهرب عن بخارى وقطع النهر‏.‏ودخل فائق بخارى وأعلم الناس أنه إنما جاء لخدمة الأمير منصور فبعث مشايخ بخارى بذلك إلى منصور ودخل‏.‏واستقدموه بعد أن أخفوا له مواثيق العهود من فائق فاطمأن وعاد إلى بخارى وأقام فائق بتدبير أمره وحكم في دولته وأبعد بكثرزون إلى خراسان أميرا‏.‏وقد كان سبكتكين توفي في شعبان من هذه السنة ووقعت الفتنة بين ابنيه إسماعيل ومحمود فقدم بكثرزون أيام فتنتهما واستولى على خراسان‏.‏ عود أبي القاسم بن سيجور إلى خراسان وخيبته قد ذكرنا مسير بكثرزون إلى خراسان عند مفره أيام محمود بن سبكتكين من خراسان وأقام عند فخر الدولة وعند أبيه مجد الدولة واجتمع عنده أصحاب أبيه‏.‏وكتب إليه فائق من بخارى يغريه ببكثرزون ويأمره بقصد خراسان ويخرج بكثرزون منها فسار عن جرجان إلى نيسابور وبعث جيشاً إلى أسفرايين فملكوها من يد أصحاب بكثرزون‏.‏ثم تردد السفراء بينهما ووقع الصلح والصهر وعاد بكثرزون إلى نيسابور‏.‏

  انتقاض محمود بن سبكتكين وملكه نيسابور ثم خروجه عنها

لما فرغ محمود بن سبكتكين من أمر الفتنة بينه وبين أخيه إسماعيل واستولى على ملك غزنة وعاد إلى بلخ وجد بكثرزون واليا على خراسان كما ذكرنا فبعث إلى الأمير منصور بن نوح يذكر وسائله في الطاعة والمحاباة ويطلب ولاية خراسان فاعتذر له عنها وولاه ترمذ وبلخ وما وراءهما من أعمال بست فلم يرض ذلك وأعاد الطلب فلم يجب فسار إلى نيسابور وهرب منها بكثرزون وملكها محمود سنة ثمان وثمانين فسار الأمير منصور من بخارى إليه فخرج عنها إلى مرو الروذ وأقام بها‏.‏

  خلع الأمير منصور وولاية أخيه عبد الملك

ولما سار الأمير منصور عن بخارى إلى خراسان لمدافعة محمود بن سبكتكين عن نيسابور سار بكثرزون للقائه فلقيه بسرخس ثم لم يلق من قبوله ما كان يؤمله فشكا ذلك إلى فاثق فألفاه واجدا مثل ذلك فخلصا في نجواهما واتفقا على خلعه وإقامة أخيه عبد الملك مقامه‏.‏ووافقهما على ذلك جماعة من أعيان العسكر‏.‏ثم قبضوا عليه وسملوه أول سنة تسعين لعشرين شهرا من ولايته‏.‏وولى مكانه أخوه عبد الملك وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون يقبح عليهما فعلهما وسار نحوهما طامعا في الاستيلاء على الملك‏.‏استيلاء محمود بن سبكتكين علي خراسان ثم سار محمود بن سبكتكين إلى فائق وبكثرزون ومعهما عبد الملك الصبي الذي نصبوه فساروا إليه والتقوا بمرو سنة تسعين وقاتلهم فهزمهم وافترقوا‏.‏ولجئ عبد الملك ببخارى ومعه فائق ولحق بكثرزون بنيسابور ولحق أبو القاسم بن سيجور بقهستان‏.‏وقصد محمود نيسابور وانتهى إلى طرسوس فهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث في أثره ارسلان الحاجب إلى أن وصل جرجان ورجع فاستخلفه محمود على طرسوس وسار إلى هراة فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها‏.‏ورجع إليها محمود فأجفل عنها ومر بمرو فنهبها ولحق ببخارى‏.‏واستقر محمود بخراسان وأزال عها ملك بني سامان وخطب فيها للقادر العباسي واستدعى الولاية من قبله فبعث إليه بالعهد عليها والخلع لبني سيجور وأنزله نيسابور‏.‏وسار هو إلى بلخ كرسي أبيه فافتقده واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته مثل آل افريقون بالجوزجان والشا ه صاحب غرسيان وبني مأمون بخوارزم‏.‏

  استيلاء ايلك خان علىبخارى وانقراض دولة بني سامان

ولما ملك محمود خراسان ولحق عبد الملك ببخارى اجتمع إليه فائق وبكثرزون وغيرهما من الأمراء وأخذوا في جمع العساكر لمناهضة محمود بخراسان‏.‏ثم مات فائق في شعبان من هذه السنة فاضطربوا ووهنوا لأنه كان المقدم فيهم وكان خصيًا من موالي نوح بن نصرفطمع ايلك خان في الاستيلاء على ملكهم كما ملكه بقراخان قبله فسا ر في جموع الترك يظهر المدافعة لعبد الملك عنه فاطمأنوا لذلك وخرج بكثرزون وغيره من الأمراء والقواد للقائه فقبض عليهم جميعا ودخل بخارى عاشر ذي القعدة ونزل دار الإمارة‏.‏واختفى عبد الملك فبعث العيون عليه حتى ظفر به وأودعه السجن في أرزكند فمات‏.‏وحبس معه أخاه أبا الحارث منصورًا المخلوع وإخوته الآخرين أبا إبراهيم إسماعيل وأبا يعقوب وأعمامه أبا زكريا وأبا سليمان وأبا صالح القاري وغيرهم من بني سامان‏.‏وانقرضت دولتهم بعد أن كانت انتشرت في الآفاق ما بين حلوان وبلاد الترك ووراء النهر وكانت من أعظم الدول وأحسنها سياسة‏.‏خروج إسماعيل بن نوح بخراسان‏:‏ ثم هرب أبو إبراهيم إسماعيل بن نوح من حبسه في زي امرأة كانت تتعاهد خدمته ببخارى‏.‏ثم لحق بخوارزم وتلقب المنتصر واجتمع إليه بقايا القواد والأجناد وبعث قابوس عسكرًا مع ابنيه منوجهر ودارا‏.‏ووصل إسماعيل إلى نيسابور في شوال سنة إحدى وتسعين وجبى أموالها‏.‏وبعث إليه محمود مع التوتناش الحاجب الكبير صاحب هراة فلقيهم فانهزم المنتصر إلى أبيورد وقصد جرجان فمنعه قابوس منها سرخس وجبى أموالها وسكنها في ربيع سنة اثنتين وتسعين فأرسل إليها محمود العساكر مع منصور والتقوا فانهزم إسماعيل وأسر أبو القاسم بن سيجور في جماعة من العسكر فبعث بهم منصور إلى غزنة‏.‏وسار إسماعيل حائرًا فوافى أحياء الغز بخارى فتعصبوا عليه وسار بهم إلى ايلك خان في شوال سنة ثلاث وتسعين بنواحي سمرقند‏.‏وانهزم ايلك واستولى الغز على سواده وأمواله وأسرى من قواده‏.‏ورجعوا إلى أحيائهم وتفاوضوا في إطلاق الأسرى من أصحاب ايلك خان وشعر بهم إسماعيل فسار عنهم خائفًا وعبر النهر إلى آمل الشط‏.‏وبعث إلى مرو ونسا وخوارزم فلم يقبلوه وعاودوا العبور إلى بخارى‏.‏وقاتله واليها فانهزم إلى دبوسية وجمع بها‏.‏ثم عاد فانهزم عساكر بخارى وقاتله واليها‏.‏وجاءه جماعة من فتيان سمرقند فصاروا في جملته وبعث إليه أهله بأموال وسلاح ودواب‏.‏وسار إليه ايلك خان بعد أن استوعب في الحشد بنواحي سمرقند في شعبان سنة أربع وتسعين‏.‏وظاهر الغز إسماعيل فكانت الدبرة على ايلك خان‏.‏وعاد إلى بلاد الترك فاحتشد ورجع إلى إسماعيل وقد افترقت عنه أحياء الغز إلى أوطانهم‏.‏وخف جمعه بنواحي مروسية فهزموه وفتك الترك في أصحابه‏.‏وعبر إسماعيل النهر إلى جوزجان فنهبها وسار إلى مرو وركب المفازة إلى قنطرة راغول ثم إلى بسطام وعسا كر محمود في اتباعه مع ارسلان الحاجب صاحب طوس‏.‏وأرسل إليه قابوس عسكرا مع الأكراد الشاهجانية فأزعجوه عن بسطام فرجع إلى ما وراء النهر وأعرك أصحابه الكلل والملال ففارقه الكثير منهم وأخبروا أصحاب ايلك خان وأعلموهم بمكانه فكبسه الجند فطاردهم ساعة‏.‏ثم دخل في حي من أحياء العرب بالفلاة من طاعة محمود بن سبكتكين يعرف أميرهم بابن بهيج وقد تقدم إليهم محمود في طلبه فأنزله عندهم حتى إذا جن الليل وثبوا عليه وقتلوه وذلك سنة خمس وتسعين‏.‏وانقرض أمر بني سامان وانمحت آثاردولتهم والبقاء لله وحده‏.‏